تاج الشموخ


تاج الشموخ

تاج الشموخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تاج الشموخدخول

لــــــيس لي ابدأعنا حدود ...وليــــس لدينا حدود لي الابدأع


descriptionأريج العزة ...... " يوسف عليه السلام Emptyأريج العزة ...... " يوسف عليه السلام

more_horiz

من أكثر المواقف التي تملأ النفس زهوا، وتجعل المرء يتيه فخرا، وتُشعل عروقه بالحماسة، وتلهب فيه جذوة الأنفة والإباء: مواقف العزة.
العزة.. حيث الفخر المحمود لمن له تاريخ مشرف فيها، إن استمد من روحه، وتنسم من أريجه ما يعبق به حاضره، ويغير واقعه، وحيث الخزي والعار لكل من سُجّل في صحائفه موقف ذل ولو كان صغيرا.
وقد أضحت العزة في أيامنا مطلبا عسير المنال، ولم يبق لنا إلا استذكار ماض كان لنا، والتحدث بمواقف العزة التي دونها التاريخ، لعل نهر ذكرياتنا يتدفق فيصير شلال إباء يصب في نفوس أقعدها العجز وقهرها الذل، ولعل حديثنا يصبح سوط ألم ينقل لنا من الماضي طيف أمل يحررنا من واقع أليم، ويسري في دمائنا فيطهرها من ربقة الذل، أو قد ينساب الى سمعنا صوت الأجداد يستحث الهمم وهم يهتفون وتصدق أفعالهم كلماتهم:
لا تسقني كأس الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
وفي قصص القرآن الصادقة نماذج لمواقف عزة ترفع النفس من حضيض العجز والانكسار، ولقد كانت تلك القصص تتنزل على النبي والمسلمين في ايام صعاب كانوا يواجهون فيها اصناف الأذى المرير من المشركين ولم يؤذَن لهم بالرد عن أنفسهم بعد، فكانت آيات الذكر الحكيم تتوالى تبث فيهم سمو الهمة، وعظة الموقف، وعبير الصبر ليحيي روح الأمل.
ومن تلك القصص التي أحببت الوقوف عندها اليوم موقف سيدنا يوسف عليه السلام وهو في السجن.. الفتى المدلل الذي كان يحظى بحب أبيه دون عصبة اخوته يكمن في ظلمات المحابس! الفتي العفيف الذي آثر الوقوف امام سيده في موضع شبهة على أن يفعل الفاحشة سراً لا يدري بها أحد يقبع في السجن مظلوماً! الشاب المرفه في قصر سيد البلاد يرزح تحت نير عذاب السجن منبوذا مجردا من أقل وسائل الحياة الكريمة تلاحقه تهمة شنيعة أدين بها وعوقب عليها بعد أن ثبتت براءته أمامهم لكنه ظلم البشر!
ويوماً ما بعد سنين طوال قضاها الشاب الوسيم الذي كان قبلة الطامعات ومنتهى امل سيدات المجتمع، جاءه رسول الملك يريد إخراجه من السجن بأمر الملك نفسه بعد ان رأى براعته في تفسير الرؤى، جاءه الفرج بعد طول انتظار، جاءه على غير توقع وهو الذي ترقب هذه اللحظة كثيرا وسعى لها قبل سنوات حين قال لأحد صاحبيه في السجن، وهو خارج منه: “وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين” (يوسف: 42).
جاءه الفرج بأمر الملك مباشرة، وقد أكل منه السجن سني عمره في أجمل مراحلها، وبلغ منه ألم السجن والظلم مبلغاً كبيراً، لكنه ليس ذلك المتهافت على الدنيا الراغب فيها ولو كانت سمعته ملطخة او عيشه فيها ذلاً وعاراً، انه الكريم ابن الكريم، انه يأبى الظلم ولكنه يؤثر ظلمة السجن الظالم على أن يرتع في مناكب الارض، وهو في أعين الناس متهم أو مدان.
فلم يمش الى الرسول فرحاً ولم يرض بالخروج إلا بشرط أن يبحث الملك في قضيته ويتأكد من براءته ويثبتها وتُعلن للناس فيمشي فيهم عزيزا كريما بريئا طاهرا لا تشوب صحائفه شائبة من سواد، ولا تلوث سمعته تهمة بلا أساس. قال تعالى حاكيا ذلك عنه: “وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ان ربي بكيدهن عليم”. (يوسف: 50)، وقد كان، وبحث الملك، وتأكد مما حدث، وصارح صاحبات الجُرم الحقيقي بجريمتهن فاعترفن وصرحن ببراءته ونقائه، وحصحص الحق وخرج الكريم ابن الكريم عزيزا.
موقف يقل مثيله، وعزة ترضى بما يبدو في أعين الناس ذلاً وهو السجن والظلم، على أن يكون مهيناً وهو حر، تتغامزه أعين الناس وتنفر منه قلوبهم، ويقترن اسمه في أذهانهم بالخيانة: أبشع الجرائم، وليست خيانة واحدة بل هي مجموعة من خيانات متعددة الأصناف: خيانة الله، خيانة الأمانة، خيانة سيده، خيانة من أحسن اليه، خيانة سيدته وصاحبة نعمته، خيانة بلد استضافه وأكرمه ومجتمع احترمه.
فأنى لمن يكون حاله كتلك الحال ان يقبل منه الناس شيئا إن حدثهم يوماً؟ أنى لهم أن يستقبلوا عنه حديث الأخلاق والالتزام؟ أنى له إن كلمهم عن شهامة او رجولة أو أمانة ان يسمع ويطاع؟ أنى لهم ألا يتهامسوا بالسر على ما يقول ويذكروا ماضيه الذي أدخله السجون؟
إنها عزة.. وانه إباء يقل وجودهما إلا ممن وفقه الله وحفظ نفسه بعون الله عن الدنيا وما بها في مجاهدة للنفس وتزكية مستمرة، لأنه صاحب مسؤولية يعمل ما عليه من أجلها، قد فقه دوره في الحياة في عبودية الله وإرشاد الناس فحرص على ما يناسبهما.
ولو عدنا الى مواقف سابقة في حياته لرأينا انه اتصل بربه وعمل من أجله ولم يأل جهدا في ذلك ولم يتخذ السجن عذرا للتخاذل او التقصير في هداية الناس الى عبادة الواحد الديان. لقد دخل السجن مظلوما، دخله مهاناً بعد أن كان كريماً، دخله محروماً من ملذات الدنيا ومباهجها بعد ان كانت بين يديه وأمامه تعرض نفسها عليه، لكنه لما رأى معه اصحابا في السجن بادر الى دعوتهم: “يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنت وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ان الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” (يوسف: 39 - 40).
ولم يؤثر في نفسه ما فقده، ولم تدفعه تلك الجريمة التي ألصقت به ظلماً الى النفور من الناس او الانتقام منهم او الغيظ منهم، أو منع الخير عنهم، ولم يدفعه هذا البلاء مقابل العفة على التبرم بقضاء الله، ولم يتخذ ظلم الناس له عذرا لسكوته عن الحق، ولم يقل هؤلاء آذوني فمالي ولهم، كما لم يحجب علمه عنهم حين احتاجت اليه البلاد في ضائقة ستمر بها لا يشعر بها الناس، لقد بذل وأدى واجبه في حدود استطاعته المحدودة في السجن، وأثبت ان المرء يقدر على أداء ما عليه مهما كان محدود الحركة مضيقا عليه، فعليه أن يعمل على قدره كما قال تعالى: “ما استطعتم” (الأنفال: 60) ولا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها” (الطلاق: 7).
ثم هو يوما قبل ذلك الموقف قد قال: “رب السجن أحب اليّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين” (يوسف: 33). آثر ذلك الفتى العفيف ان يسجن ظلماً على أن يقع في معصية يراه فيها ربه ويخون بها أمانته والدنيا امامه تدعوه لملذاتها برضا وسرور، فتضرع الى الله أن ينجيه من كيد الشيطان ولو احتمل في سبيل ذلك بلاء عظيما، فكان قلبه الخالص لله طوق نجاته وسط رياح عاتية تهب عليه من هنا وهناك.
وذلك كله زاده وتلك قوته، تقواه زاده، وورعه قوته. اتصاله بربه وإدراكه واجبات المؤمن، وسلامة تعامله مع الدنيا ومصائبها، كل ذلك جعله من المحسنين الصابرين فاستحق ان يملك خزائن الأرض، ويعترف ببراءته من أدانه، ويسجد له مَن آذاه في أمسه القريب.

descriptionأريج العزة ...... " يوسف عليه السلام Emptyرد: أريج العزة ...... " يوسف عليه السلام

more_horiz
أريج العزة ...... " يوسف عليه السلام PQS20234

أريج العزة ...... " يوسف عليه السلام DIf20484

أريج العزة ...... " يوسف عليه السلام O8R20234

أريج العزة ...... " يوسف عليه السلام X5Z20234

descriptionأريج العزة ...... " يوسف عليه السلام Emptyرد: أريج العزة ...... " يوسف عليه السلام

more_horiz
أريج العزة ...... " يوسف عليه السلام D5u21375

descriptionأريج العزة ...... " يوسف عليه السلام Emptyرد: أريج العزة ...... " يوسف عليه السلام

more_horiz
أريج العزة ...... " يوسف عليه السلام ZbG90931
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد