الإسلامُ دِيــــنٌ لاَ غُــبـْنَ فيه ولا تمحُّــلَ،ولقد جاءت تعاليمُه السَّمحةُ وشرائعُه وشعائرُه وِفـــقَ النســقِ الذي يتلاءمُ مع الفطرة البشرية السوية..(فِطرةَ الله التي فطــرَ الناسَ عليها لاتبديلَ لخلق الله)..
فالأصـــلُ في ديننا هو التيســـيرُ في أحكامه والمرونةُ في التكاليف الشرعية التي أنِطـْـنا بممارستها والقيَام بمقتضياتها،لأن هذه الأحكامَ والتكاليفَ أنزلها اللهُ عزوجل علينا وأمرنا بالالتزام بها،فكانت بالنسبة لقدرة الاستطاعة والتحمل لدينا كما الثـَّوْبُ الأنيقُ المُتـَّسِـــقُ الذي يأتي على مقاس صاحبه تماماً،لايزيد عليه أوينقص،لِذا لايُقبَل-نقلاً وعقلاً-أن يُلبِـِسَ اللـــهُ عزوجل عبدَه الذي خلقه وسوَّاه نسيـــجاً من أوامر التكاليف الشرعية،ثم يتبين أنه ثوبٌ فضفاضٌ لايملؤه..!!.
إننا-نحن المسلمين-نمارس عباداتِنا وشعائرَنا ونعملُ-ما وسِعنا-على الالتزام بشرع ربنا دون أن نشعرَ لحظةً بغضاضةٍ أو كللٍ أو مللٍ،ولا يُعْـــوِزُنا على الأداء شيءٌ ما دامت قلوبُنا وأرواحُنا موصولةً ً بربها،تستشعرُ رِقابةَ الله تعالى وتستحضر جلالَه وعظَـــمتَه،نعيش على ذلك-طـــالَ العُمُرُ أو قَصُرَ- ما بقي في الكِيَانِ عِرقٌ ينبض وعقلٌ واعٍ وقدرةٌ على استطاعة..
وليس معنى ذلك أن نوْبَاتٍ من التراخي والملل والضجر لا تنتابنا أحيانا،فتزيدُ شحنةُ الإيمان بالطاعة وتنقص بالخطأ والنسيان والتلكؤ،بل إن ذلك مِن خصائص الطبع البشري الأصيل التي ورِثناها عن أبينا الأول آدمَ-عليه السلام-قال تعالىولقد عهدنا إلى آدمَ من قبلُ فَنَسِيَ ولم نَجد له عــــزماً)..
واللـــــهُ تعالى عندما خلقنا من ترابٍ ونفخ فينا من روحه العلية،يعلم أن النفس البشرية لا قدرةَ لها على الاستمرار المطلق في خط العبادة والتقرب لدرجة العصمة النبوية والمثيـــلِ الملائكي،فقرَّرَ في شرعه الحنيف أحكاماً تتلاءم وهذه الجِبِـــلـَّة المُتَأصلة..وكُلنا يعرف قصــة الصحابي الجليل حنظلة وسيدَنا أبا بكرٍ-رضي الله عنهما-حين رمـــى حنظلة ُ نفسَه بالنفاق(!!)وأخذ يصرخ؛نافقَ حنظلة..!!نافق حنظلة..!!،فسمعه أبوبكر،فلما سأله،أجاب بأنه حين يجلس مع إخوانه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-فيحدثهم عن الجنة والنار،فكأنما يرونها رأيَ العين،فإذا غادروا مجلِسَه وعافسوا الدنيا والزوجات والتجارة انتهى ذلك الشعـــور..!!،فكشفَ له أبوبكر أنه هو الآخرُ يجد في نفسه ما يجد حنظلة،فلما عرضوا الأمرَ على النبي -عليه الصلاة والسلام-علمهم قائــــلاًأمَا لو أنكما داومتـُما على ما أنتما عليه عندي-في مجالس الذكر-لصافحتـْكُما الملائكة ُ في الطرقات..!!ولكنها ساعةٌ وساعة..ساعةٌ وساعة.)،أي؛إن من طبع البشر في وصلهم بربهم؛المــــدُّ والجزرُ في زيادة الإيمان ونقصانـه..!!.
إنه إذا حدث ومَـــلَّ الناسُ من التكاليف الشرعية أو وجدوا في ممارستها عَنَتاً وامتعاضاً،فلنعلم أن تلك التكاليف الربانية بريئةٌ كل البراءة من هذه التهمة(تهمة المشقة الجائرة)،ولـْنـَتـَّهِـْم-مباشرةً ودون تردد-نفوسَنا الأمَّارة بالسوء التي لانعرف عنها إلا أنها حينَ الطاعة والاستقامة تتلكأ وتكسلُ وتتراخَى وربماتمارضــتْ(!!)وحين المعصية والتنصل والراحة والخمول تستأنسُ وتحب اختلاقَ الأعذار فتُســـارع..!!وصدق اللهُ حيْثُ يقولفألهمها فجورَها وتقواها)..ورحم الله الشاعرَ الحكيمَ حيث قال:
إني ابتُلِيتُ بأربعٍ ما سُلِطوا.**إلا لِجَلبِ مشقتي وعنــــــــائي
إبليسُ والدنياونفسي والهـوى**كيف الخلاصُ وكلُّهمْ أعــــدائي!!...
إن تيسيرَ الأحكام الشرعية على العباد بعــضٌ من تمام تلك النعمة العظمى التي مَن الله تعالى بها على الأمة الإسلامية حين اكتمل الدينُ واستوفى أحكامَه؛(اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضِيتُ لكمُ الإسلامَ دينا)وكيف لا؟واللـهُ تعالى يُقررُ مبدأ رفعِ المشقة والحَرَجِ في قولهوما جعل عليكم في الدين مِن حـــرجٍ...)وقولهيريد الله بكم اليسرَ ولا يريد بكمُ العســـرَ)..والنبي-صلى الله عليه وسلم-حين بعث علياً ومعاذاً-رضي الله عنهما-إلى أرض اليمن لتعليم أهلها الإسلامَ،أوصاهما قائلاًيَسِّـــرَا ولا تعســـرَا وبَشـــرا ولا تنفـــرا وتطاوعَا ولا تختلفـَا...)،لذا لم يترددْ رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم-يرفض التشديدَ والتعسيرَ مهما كانت الذرائع،فكان يقولإنما أهلك مَن كان قبلكمُ الغلوُّ في الدين)،ويقولهَـــلَكَ المتنطعون)،ويقولإن الله لا يَمَــلُّ حتى تمِلُّـــوا..!!)،ويقولقليلُ دائمٌ خيْرٌ من كثيرٍ منقطع..!!)،ويقولأحَـبُّ الأعمالِ إلى الله أدْوَمُها وإن قَـَـلَّ)..وعندما وجدَ صلى الله عليه وسلم السـيدةَ زينبَ-رضي الله عنها-تشد على نفسها بحبلٍ في سارية في المسجد،قالصَـــلـُّوا نشاطَـَكم،فإذا فَتَرَ أحدُكُم فليقعدْ)...لِهذا قال علماءُ السلفمَن فَسَدَ مِن علمائنا ففيه شَبَهٌ مِن اليهود،ومَن فسد من عُبَّادنا ففيه شبه مِن النصارى)،لأن هولاء أفسدوا الدين َبالتفريط والتسيب فغضب الله عليهم،وأولئك أفسدوه بالإفراط والتشدد فضلـُّـــوا..
وفي مبدأ التيسير وضع علماءُ الأصول تلك القاعدة الفقهية الذهبية التي تقول؛(اقتصادٌ في سُنـــةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في بدعةٍ والمشقةُ تجلِب التيسيـــرَ)..
وفي الصوم-الذي نحن في صَـدَده المبارك-نجد من نفائسِ ديننا الحنيف ما يجعلنا لو فقِهنا معانيه الجليلة وفضائله الجَمَّة،نتمنى-كما أشار النبي عليه الصلاة والسلام-أن لو كانت السَّنة كلها رمضان..
ولنأخذ-على عَجَلٍ- أيةَ الصيام الكريمة،التي بموجبها تقررت فرضِيَةُ الصوم،ولـْـنتنسمْ منها تلك النفحاتِ الإيمانية العَبِقة،ولنلمحْ مبدأَ التيســـيرَ الذي أراد اللهُ تعالى منا إدراكَه في السياق العام للآية من خلال حيثيات الأمر بوجوب الصوم،وسأذكر هنا لطائف هذا التيسير اقتباساً مما ذكره بعضُ علماء التفسير في شرح الآية الكريمة،وليسَ لي بعد ذلك من شرفٍ إلا فَضلُ النقـــلِ...
يقول الله عز وجل،في الآية(183)من سورة البقرةياأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كانَ منكمْ مريضاً أو على سَفَـر فعِدَّةٌ من أيامٍ أخَـــر...).
إن المتأمل في سياق الآية الكريمة، يدرك من لطائف التيسير مايلي:
أولا /إشارةُ المولى عزوجل إلى أن الصومَ ليس شيئاً جديداً جاء بمجيء الإسلام،وإنما الصومُ فرضٌ ألزمَ الله به بعضَ الأمم السابقة..هذه الإشارة الربانية اللطيفة،تجعل من الصوم فرضاً ميسوراً في حِــسِّ المسلمين على أساس أنهم ليسوا أول البادئين به،تماماً-ولله المثلُ الأعلى- كما يقول الأستاذ لتلامذته-تخفيفاً وسلوَى-؛إن الامتحان الذي ستواجهون أسئلتَه،قد سبق وأن أجرى تلامذةٌ سابقون مثلَه واجتازوا عوائقَه وصعوباته..وبالتالي تنشرح صدورُهم،وتُفتح شهيتُهم له،فيستسهلوا مشقتَه..!!.
ثانيا / إشارةُ المولى عزوجل أن الصيامَ أيامٌ معدوداتٌ،حتى يُوقرَ في نفوس المسلمين أنه أيامٌ قليلةٌ لاتقـَـدِّمُ في مشقتها ولا تؤخـِّرُ..فلفظةُ(معدودات)تُ عطي انطباعا بالقِلـَّــةِ العددية لأيام الصيام وهذا من شأنه نفسياً أن يُهَوِّنَ أيَّ افتراضٍ قد تفترضه النفسُ البشريةُ حول كثرة أيام الصوم..إنها أيامٌ معدودات..شهرٌ واحدٌ في سنة قمرية..!!،فانظرْ رحمكَ اللــهُ إلى تلميح التيسير والتسهيل الذي يحرِص المولى عزوجل على إدراكه...
ثالثا / أما إشارة المولى إلى رخصة الإفطار للمريض والمسافر في الآية الكريمة،فأعتقد أنها-من التصريح والإبانة-لاتُخفـــى على أحد،وفي ذلك رحمةٌ وأي رحمة،وتيسيــرٌ وأي تيسيـــر،والنبي-صلى الله عليه وسلم-يقول في هذه الرُخص الربانيةإن الله يحب أن تُؤتَى رُخَصُهُ كما يحب أن تُؤتَى عزائمُه)...
إنها-أحبتي الكرام-إشاراتٌ ثلاثةٌ تنضحُ برحمة الله تعالى وجميــــلِ يُسره وسَعَتِهِ بعباده المؤمنين الصائمين،حتى لاتبقى حُجةٌ واهيَـــةٌ لبعض الملتاثين الكَـسَالى،الذين أوحَى إليهم هواهُم السيء وإيمانهم الفاتر بتهويل الصوم أو استثقاله..تعالى اللــهُ وشرعُه عُلُــواً كبيراً عما يقولون..
وتقبل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال.
فالأصـــلُ في ديننا هو التيســـيرُ في أحكامه والمرونةُ في التكاليف الشرعية التي أنِطـْـنا بممارستها والقيَام بمقتضياتها،لأن هذه الأحكامَ والتكاليفَ أنزلها اللهُ عزوجل علينا وأمرنا بالالتزام بها،فكانت بالنسبة لقدرة الاستطاعة والتحمل لدينا كما الثـَّوْبُ الأنيقُ المُتـَّسِـــقُ الذي يأتي على مقاس صاحبه تماماً،لايزيد عليه أوينقص،لِذا لايُقبَل-نقلاً وعقلاً-أن يُلبِـِسَ اللـــهُ عزوجل عبدَه الذي خلقه وسوَّاه نسيـــجاً من أوامر التكاليف الشرعية،ثم يتبين أنه ثوبٌ فضفاضٌ لايملؤه..!!.
إننا-نحن المسلمين-نمارس عباداتِنا وشعائرَنا ونعملُ-ما وسِعنا-على الالتزام بشرع ربنا دون أن نشعرَ لحظةً بغضاضةٍ أو كللٍ أو مللٍ،ولا يُعْـــوِزُنا على الأداء شيءٌ ما دامت قلوبُنا وأرواحُنا موصولةً ً بربها،تستشعرُ رِقابةَ الله تعالى وتستحضر جلالَه وعظَـــمتَه،نعيش على ذلك-طـــالَ العُمُرُ أو قَصُرَ- ما بقي في الكِيَانِ عِرقٌ ينبض وعقلٌ واعٍ وقدرةٌ على استطاعة..
وليس معنى ذلك أن نوْبَاتٍ من التراخي والملل والضجر لا تنتابنا أحيانا،فتزيدُ شحنةُ الإيمان بالطاعة وتنقص بالخطأ والنسيان والتلكؤ،بل إن ذلك مِن خصائص الطبع البشري الأصيل التي ورِثناها عن أبينا الأول آدمَ-عليه السلام-قال تعالىولقد عهدنا إلى آدمَ من قبلُ فَنَسِيَ ولم نَجد له عــــزماً)..
واللـــــهُ تعالى عندما خلقنا من ترابٍ ونفخ فينا من روحه العلية،يعلم أن النفس البشرية لا قدرةَ لها على الاستمرار المطلق في خط العبادة والتقرب لدرجة العصمة النبوية والمثيـــلِ الملائكي،فقرَّرَ في شرعه الحنيف أحكاماً تتلاءم وهذه الجِبِـــلـَّة المُتَأصلة..وكُلنا يعرف قصــة الصحابي الجليل حنظلة وسيدَنا أبا بكرٍ-رضي الله عنهما-حين رمـــى حنظلة ُ نفسَه بالنفاق(!!)وأخذ يصرخ؛نافقَ حنظلة..!!نافق حنظلة..!!،فسمعه أبوبكر،فلما سأله،أجاب بأنه حين يجلس مع إخوانه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-فيحدثهم عن الجنة والنار،فكأنما يرونها رأيَ العين،فإذا غادروا مجلِسَه وعافسوا الدنيا والزوجات والتجارة انتهى ذلك الشعـــور..!!،فكشفَ له أبوبكر أنه هو الآخرُ يجد في نفسه ما يجد حنظلة،فلما عرضوا الأمرَ على النبي -عليه الصلاة والسلام-علمهم قائــــلاًأمَا لو أنكما داومتـُما على ما أنتما عليه عندي-في مجالس الذكر-لصافحتـْكُما الملائكة ُ في الطرقات..!!ولكنها ساعةٌ وساعة..ساعةٌ وساعة.)،أي؛إن من طبع البشر في وصلهم بربهم؛المــــدُّ والجزرُ في زيادة الإيمان ونقصانـه..!!.
إنه إذا حدث ومَـــلَّ الناسُ من التكاليف الشرعية أو وجدوا في ممارستها عَنَتاً وامتعاضاً،فلنعلم أن تلك التكاليف الربانية بريئةٌ كل البراءة من هذه التهمة(تهمة المشقة الجائرة)،ولـْنـَتـَّهِـْم-مباشرةً ودون تردد-نفوسَنا الأمَّارة بالسوء التي لانعرف عنها إلا أنها حينَ الطاعة والاستقامة تتلكأ وتكسلُ وتتراخَى وربماتمارضــتْ(!!)وحين المعصية والتنصل والراحة والخمول تستأنسُ وتحب اختلاقَ الأعذار فتُســـارع..!!وصدق اللهُ حيْثُ يقولفألهمها فجورَها وتقواها)..ورحم الله الشاعرَ الحكيمَ حيث قال:
إني ابتُلِيتُ بأربعٍ ما سُلِطوا.**إلا لِجَلبِ مشقتي وعنــــــــائي
إبليسُ والدنياونفسي والهـوى**كيف الخلاصُ وكلُّهمْ أعــــدائي!!...
إن تيسيرَ الأحكام الشرعية على العباد بعــضٌ من تمام تلك النعمة العظمى التي مَن الله تعالى بها على الأمة الإسلامية حين اكتمل الدينُ واستوفى أحكامَه؛(اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضِيتُ لكمُ الإسلامَ دينا)وكيف لا؟واللـهُ تعالى يُقررُ مبدأ رفعِ المشقة والحَرَجِ في قولهوما جعل عليكم في الدين مِن حـــرجٍ...)وقولهيريد الله بكم اليسرَ ولا يريد بكمُ العســـرَ)..والنبي-صلى الله عليه وسلم-حين بعث علياً ومعاذاً-رضي الله عنهما-إلى أرض اليمن لتعليم أهلها الإسلامَ،أوصاهما قائلاًيَسِّـــرَا ولا تعســـرَا وبَشـــرا ولا تنفـــرا وتطاوعَا ولا تختلفـَا...)،لذا لم يترددْ رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم-يرفض التشديدَ والتعسيرَ مهما كانت الذرائع،فكان يقولإنما أهلك مَن كان قبلكمُ الغلوُّ في الدين)،ويقولهَـــلَكَ المتنطعون)،ويقولإن الله لا يَمَــلُّ حتى تمِلُّـــوا..!!)،ويقولقليلُ دائمٌ خيْرٌ من كثيرٍ منقطع..!!)،ويقولأحَـبُّ الأعمالِ إلى الله أدْوَمُها وإن قَـَـلَّ)..وعندما وجدَ صلى الله عليه وسلم السـيدةَ زينبَ-رضي الله عنها-تشد على نفسها بحبلٍ في سارية في المسجد،قالصَـــلـُّوا نشاطَـَكم،فإذا فَتَرَ أحدُكُم فليقعدْ)...لِهذا قال علماءُ السلفمَن فَسَدَ مِن علمائنا ففيه شَبَهٌ مِن اليهود،ومَن فسد من عُبَّادنا ففيه شبه مِن النصارى)،لأن هولاء أفسدوا الدين َبالتفريط والتسيب فغضب الله عليهم،وأولئك أفسدوه بالإفراط والتشدد فضلـُّـــوا..
وفي مبدأ التيسير وضع علماءُ الأصول تلك القاعدة الفقهية الذهبية التي تقول؛(اقتصادٌ في سُنـــةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في بدعةٍ والمشقةُ تجلِب التيسيـــرَ)..
وفي الصوم-الذي نحن في صَـدَده المبارك-نجد من نفائسِ ديننا الحنيف ما يجعلنا لو فقِهنا معانيه الجليلة وفضائله الجَمَّة،نتمنى-كما أشار النبي عليه الصلاة والسلام-أن لو كانت السَّنة كلها رمضان..
ولنأخذ-على عَجَلٍ- أيةَ الصيام الكريمة،التي بموجبها تقررت فرضِيَةُ الصوم،ولـْـنتنسمْ منها تلك النفحاتِ الإيمانية العَبِقة،ولنلمحْ مبدأَ التيســـيرَ الذي أراد اللهُ تعالى منا إدراكَه في السياق العام للآية من خلال حيثيات الأمر بوجوب الصوم،وسأذكر هنا لطائف هذا التيسير اقتباساً مما ذكره بعضُ علماء التفسير في شرح الآية الكريمة،وليسَ لي بعد ذلك من شرفٍ إلا فَضلُ النقـــلِ...
يقول الله عز وجل،في الآية(183)من سورة البقرةياأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كانَ منكمْ مريضاً أو على سَفَـر فعِدَّةٌ من أيامٍ أخَـــر...).
إن المتأمل في سياق الآية الكريمة، يدرك من لطائف التيسير مايلي:
أولا /إشارةُ المولى عزوجل إلى أن الصومَ ليس شيئاً جديداً جاء بمجيء الإسلام،وإنما الصومُ فرضٌ ألزمَ الله به بعضَ الأمم السابقة..هذه الإشارة الربانية اللطيفة،تجعل من الصوم فرضاً ميسوراً في حِــسِّ المسلمين على أساس أنهم ليسوا أول البادئين به،تماماً-ولله المثلُ الأعلى- كما يقول الأستاذ لتلامذته-تخفيفاً وسلوَى-؛إن الامتحان الذي ستواجهون أسئلتَه،قد سبق وأن أجرى تلامذةٌ سابقون مثلَه واجتازوا عوائقَه وصعوباته..وبالتالي تنشرح صدورُهم،وتُفتح شهيتُهم له،فيستسهلوا مشقتَه..!!.
ثانيا / إشارةُ المولى عزوجل أن الصيامَ أيامٌ معدوداتٌ،حتى يُوقرَ في نفوس المسلمين أنه أيامٌ قليلةٌ لاتقـَـدِّمُ في مشقتها ولا تؤخـِّرُ..فلفظةُ(معدودات)تُ عطي انطباعا بالقِلـَّــةِ العددية لأيام الصيام وهذا من شأنه نفسياً أن يُهَوِّنَ أيَّ افتراضٍ قد تفترضه النفسُ البشريةُ حول كثرة أيام الصوم..إنها أيامٌ معدودات..شهرٌ واحدٌ في سنة قمرية..!!،فانظرْ رحمكَ اللــهُ إلى تلميح التيسير والتسهيل الذي يحرِص المولى عزوجل على إدراكه...
ثالثا / أما إشارة المولى إلى رخصة الإفطار للمريض والمسافر في الآية الكريمة،فأعتقد أنها-من التصريح والإبانة-لاتُخفـــى على أحد،وفي ذلك رحمةٌ وأي رحمة،وتيسيــرٌ وأي تيسيـــر،والنبي-صلى الله عليه وسلم-يقول في هذه الرُخص الربانيةإن الله يحب أن تُؤتَى رُخَصُهُ كما يحب أن تُؤتَى عزائمُه)...
إنها-أحبتي الكرام-إشاراتٌ ثلاثةٌ تنضحُ برحمة الله تعالى وجميــــلِ يُسره وسَعَتِهِ بعباده المؤمنين الصائمين،حتى لاتبقى حُجةٌ واهيَـــةٌ لبعض الملتاثين الكَـسَالى،الذين أوحَى إليهم هواهُم السيء وإيمانهم الفاتر بتهويل الصوم أو استثقاله..تعالى اللــهُ وشرعُه عُلُــواً كبيراً عما يقولون..
وتقبل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وصالحَ الأعمال.